فصل: ظهور الحسين المقتول بفتح.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ظهور الحسين المقتول بفتح.

وهو الحسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط كان الهادي قد استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز كما مر فأخذ يوما الحسن بن المهدي بن محمد بن عبد الله بن الحسين الملقب أبا الزفت ومسلم بن جندب الهذلي الشاعر وعمر بن سلام مولى العمريين على شراب لهم فضربهم وطيف بهم بالمدينة بالحبال في أعناقهم وجاء الحسين إليه فشفع فيهم وقال: ليس عليهم حد فإن أهل العراق لا يرون به بأسا وليس من الحد أن نطيفهم فحبسهم ثم جاء ثانية ومعه من عمومته يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم بعد ذلك فكفلاه وأطلقه من الحبس وما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضا ويعرضون فغاب الحسن عن العرض يومين فطلب به الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله كافليه وأغلظ لهما فحلف يحيى أنه يأتي به من ليلته أو يدق عليه الباب يؤذنه به وكان بين الطالبيين ميعاد للخروج في الموسم فأعجلهم ذلك عنه وخرجوا من ليلتهم وضرب يحيى على العمري في باب داره بالسيف واقتحموا المسجد فصلوا الصبح وبايع الناس الحسين المرتضى من آل محمد على كتاب الله وسنة رسوله وجاء خالد اليزيدي في مائتين من الجند والعمري وابن إسحق الأزراق ومحمد بن واقد في ناس كثيرين فقاتلهم وهزموهم من المسجد واجتمع يحيى وإدريس بن عبد الله بن حسن فقتلاه وانهزم الباقون وافترق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم وانتهت القوم من بيت المال بضعه عشر ألف دينار وقيل سبعين ألفا واجتمعت شيعة بني العباس من الغد وقاتلوهم إلى الظهر وفشت الجراحات وافترقوا ثم قدم مبارك التركي من الغد حاجا فقاتل مع العباسية إلى منتصف النهار وافترقوا وواعدهم مبارك الرواح إلى القتال واستغفلهم وركب رواحله راجعا واقتتل الناس المغرب ثم افترقوا ويقال إن مباركا دس إلى الحسين بذلك تجافيا عن أذيه أهل البيت وطلب أن يأخذ له عذرا في ذلك بالبيات فبيته الحسين واستطرد له راجعا وأقام الحسين وأصحابه بالمدينة واحدا وعشرين يوما آخر ذي القعدة ولما بلغها نادى في الناس بعتق من أتى إليه من العبيد فاجتمع إليه جماعة وكان قد حج تلك السنة رجال من بني العباس منهم سليمان بن المنصور ومحمد بن سليمان بن علي والعباس بن محمد بن علي وموسى وإسمعيل أبناء عيسى بن موسى ولما بلغ خبر الحسين إلى الهادي كتب إلى محمد بن سليمان وولاه على حربه وكان معه رجال وسلاح وقد أغذ بهم عن البصرة خوف الطريق فاجتمعوا بذي طوى وقدموا مكة فحلوا من العمرة التي كانوا أحرموا بها وانضم إليهم من حج من شيعتهم ومواليهم وقوادهم واقتتلوا يوم التروية فانهزم الحسين وأصحابه وقتل كثير منهم وانصرف محمد بن سليمان وأصحابه إلى مكة ولحقهم بذي طوى رجل من خراسان برأس الحسين ينادي من خلفهم بالبشارة حتى ألقى الرأس بين أيديهم مضروبا على قفاه وجبهته وجمعت رؤوس القتلى فكانت مائة ونيفا وفيها رأس سليمان أخي المهدي ابن عبد الله واختلط المنهزمون بالحاج وجاء الحسن بن المهدي أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد فأخذه موسى بن عيسى وقتله وغضب محمد بن سليمان من ذلك وغضب الهادي لغضبه وقبض أمواله وغضب على مبارك التركي وجعله سائس الدواب فبقي كذلك حتى مات الهادي وأفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله أخو المهدي فأتى مصر وعلي يريدها وأصبح مولى صالح بن المنصور وكان يتشيع لآل علي فحمله على البريد إلى المغرب ووقع بمدينة وليلة من أعمال طنجة واجتمع البريد على دعوته وقتل الهادي وأصحابه بذلك وصلبه وكان لإدريس وابنه إدريس وأعقابهم حروب نذكرها بعده.

.حديث الهادي في خلع الرشيد.

كان الهادي يبغض الرشيد بما كان المهدي أبوهما يؤثره وكان رأى في منامه أنه دفع إليهما قضيين فأورق قضيب الهادي من أعلاه قضيب الرشيد كله وتأول ذلك بقصر مدة الهادي وطول مدة الرشيد وحسنها فلما ولي الهادي أجمع خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر مكانه وفاوض في ذلك قواده فأجابه يزيد بن مزيد وعلي بن عيسى وعبد الله بن مالك وحرضوا الشيعة على الرشيد لينقصوه ويقولوا لا نرضى به ونهى الهادي أن يشاور بين يديه بالحرب فاجتنبه الناس وكان يحيى بن خالد يتولى أموره فاتهمه الهادي بمداخلته وبعث إليه وتهدده فحضر عنده مستميتا وقال: يا أمير المؤمنين أنت أمرتني بخدمته من بعد المهدي! فسكن غضبه وقال له في أمر الخلع فقال: يا أمير المؤمنين أنت إن حملت الناس على نكث الإيمان فيه هانت عليهم فيمن توليه وإن بايعت بعده كان أوثق للبيعة فصدقه وسكت عنه وعاد أولئك الذين جفلوه من القواد والشيعة فأغروه بيحيى وأنه الذي منع الرشيد من خلع نفسه فحبسه الهادي فطلب الحضور للنصيحة وقال له يا أمير المؤمنين أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر وهو صبي ويرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم وتأمن أن يسمو إليها عند ذلك أكابر أهل بيتك فتخرج من ولد أبيك والله لولم يعقد المهدي لكان ينبغي أن تعقده أنت له حذرا من ذلك وأني أرى أن تعقده لأخيك فإذا بلغ ابنك أتيتك بأخيك فخلع نفسه وبايع له فقبل الهادي قوله وأطلقه ولم يقنع القواد ذلك لأنهم كانوا حذرين من الرشيد في ذلك وضيق عليه واستأذنه في الصيد فمضى إلى قصر مقاتل ونكره الهادي وأظهر خفاءه وبسط الموالي والقواد فيه ألسنتهم.